_ الفصل الثاني عشر _
_ العــروس المــاكـرة ! _
كان نور الدين يجلس علي مقعده المعتاد علي طاولة الطعام بالصباح ، يتناول طعامه ، معه كذلك جلست نيرمين ، هبط سراج من الاعلي وتوجه لهم ، وقف امام الطاولة وراح يضع لقيمات سريعة بفمه ، يضع ويرتشف العصير لم يترك حتي فرصة لـ النفس ، اكل نور الدين قطعة من الخبز المحمص وهو يقول:-
_براحة ياسراج ، هانيا مش هطير يعني
تناول اخيرا رشفة عصير ثم نظر له قائلا بتريث:-
_انا مش هقابل هانيا دلوقتي ، انا هقابل الشباب علشان رايحين نشوف الشقة اللي هتجوز فيها
وقفت اللقمة بمنتصف حلق نور الدين ، اخذ يسعل بقوة وهو يحاول ان يبلعها انتفضت نيرمين تمنحه الماء اخذ اخيه يربت علي ظهره بقوة ، تناول الماء واخيرا هدأ سعاله
نظر له سائلا بتحفز:-
_شقة اية ! انت مش هتعيش معايا هنا
اؤما بالنفي هاتفا:-
_لا طبعا يانور هعيش في بيت منفصل
احمرت عيني نور الدين اثر الضيق الذي اصاب قلبه ، أبدأت تسرقه منه من الان ؟! ستسحبه لشطها ، ليترك شطه هو فارغا دون اخيه
اكمل سراج:-
_كدا هيكون افضل للكل ، هانيا مش عايزة تعيش معاك في نفس البيت علشان متحسش بالاحراج وتبقي دايما مش مرتاح
سائله بنزق:-
_طيب وانت رايك اية ؟
بحماس اجاب:-
_اي مكان هانيا فيه ، انا هبقي مرتاح فيه
تطلع له بقهر ولم يرد ، تركهم الاخير وغادر ، بقيت نيرمين تنظر له بقلة حيلة ، هي الوحيدة التي تعلم بجنون نور الدين بأخيه ، حبه له وشعوره بالتملك نحوه ، هو من اعتبره ابنه منذ زمن ، كان يهتم به اكثر من اهتمام والدتهم به ايضا ، لا ينام الا اذا نام ، يأخذ من فمه الطعام ليمنحه اياه ، فكرة انه سيعيش بدونه ستجننه بلا شــك..!!
هتف ماجد مشيرا لاحدي الجدران:-
_اية رأيك نخلي لون الحيطة دي اخضر فاتح ؟!
تخيل كرم المنظر فوجده سيكون في غاية البشاعة فنطق بقرف:-
_يخربيت زوقك ، اخضر لعرسان جداد ! لية عايز تعميهم !
قال بضيق:-
_طيب والله اللون حلو
معتز متدخلا:-
_ماجد متتكلمش خالص .. ممكن !
وضع يده علي فمه هاتفا بنزق:-
_سكت اهو يارب ترتاحوا
خرج سراج من إحدي الغرف قائلا ببسمة:-
_انا خلاص قررت الالوان هتبقي…
قاطعه ماجد بأندفاع:-
_اصفر وبرتقاني صح ؟ هيكونوا الوان متناسقة وفظيعة
كرم مكملا:-
_من كتر فظعانها هيكتبوا تاني يوم الفرح في الجرايد مصرع عروسين بسبب الوان جدران منزلهم
معتز بحدة مصطنعة:-
_ماجد .. انا مش قلت اسكت
زفر بضيق بينما اكمل سراج:-
_انا هخلي الالوان مزج بين البيج والكافية والبينك الباهت
قالوا معا بصوت واحد:-
_دا مش رأيك ، دا رأي هانيا
اؤما بنعم بأحراج ، فتلك الالوان هو لا يعرف شكلها حتي ، هي من اختارتها وبعثت له صورا لها ، فنالت علي اعجابه
لانها ببساطة تعجبها….!!
****
_برضوا نفذتي اللي في دماغك
قالتها ملك بغضب وهي تجلس امام الاخري التي هتفت:-
_اها نفذت ياملك ، ومفيش حاجة هتغير رأيي ابدا ، عيلة عدنان نهايتها علي ايدي وهتشوفي
ملك بضيق:-
_حرام عليكي هو اصلا مكنش في وعيه الليلة دي
هانيا بقسوة:-
_وانتي مفكرة اني كدا هعفو عنه ! بالعكس كدا هيزيد الكره مني ناحيته اكتر ، لانه بسبب راحته ومزاجه ضيعلي اخر حد كان قريب مني
ملك بتحذير غاضب وهي تنهض عن مكانها:-
_هانيا فوقي ، الانتقام نهايته وحشة ، سراج دلوقتي اخر حد بيتحبيه وبيحبك في الدنيا
_انتي متوقعة اني ممكن اقدر اعيش مع واحد انا عارفة ان ايده ملوثة بدم اخويا ! اخويا اللي ملوش ذنب بقذارة التاني اللي ميعرفش ربنا ياملك ، اللي بيسكر وبيعرف بنات وبيعمل كل حاجة سيئة ، هو طيب ماشي بس مش اطيب ولا احن من اخويا ، ولا دمه اغلي من دم اخويا
توجهت ملك نحو الباب ، فتحته ثم قالت قبل ان تغادر وهي تحذرها بيدها:-
_انا حذرتك .. الانتقام نهايته وحشة
ثم غادرت واغلقت الباب
فهمست هانيا بوجع:-
_مفيش حاجة هتكون اصعب عليا من اللي فات ، مفيش اصعب من الموت ياملك..
لحظات وارتفع صوت رنين جرس الباب ، ظنتها ملك ونسيت شيئا ، توجهت نحو الباب وفتحته وهي تقول:-
_نسيتي اية يا….
توقفت الكلمات بحلقها اثر دهشتها وهي تري نجوان امامها ، افسحت لها الطريق لتدخل وهي تهتف بنبرة مرحبة:-
_اتفضلي يانجوان اهلا وسهلا بيكي
اغلقت الباب خلفهم ثم اقتربت منها تحتضنها بود ، بادلتها الاخري الحضن ثم توجهوا نحو اريكة ليجلسا عليها
نظرت هانيا لـ الاخري الصامتة بتفحص ، كانت ملامحها باهتة ، عيونها شاردة ، يظهر جيدا عليها معالم التوهان والحزن
خرج صوتها سائلا:-
_نجوان .. انتي كويسة ؟
كأنها ضغطت علي زر الانفجار ، حيث اندفعت نجوان نحوها تلقي نفسها بأحضانها وهي تشهق بعنف ، ثم راحت الدمعات تتساقط بالتدريج علي وجهها وهي تبكي ، احيانا تخرج منها صرخات قهر خفيفة
انفزعت الاخري ، وراحت تملس علي شعرها بهدوء ، وهي تهمس بكلمات بسيطة تحاول بها ان تهديها
لكن لا حياة لمن تنادي ، ظلت تبكي .. تبكي
حتي افرغت كامل شحنتها السلبية ، عندها فقط صمتت وتوقف بكائها ، ابتعدت عنها اخيرا وهي تتنفس بقوة لتسحب الهواء لداخل رئتيها
توجهت هانيا لـ المطبخ احضرت كأس ماء بارد ثم عادت به لـ الاخري ، ناولتها اياه ، ارتشفت منه نجوان القليل
ساد الصمت عليهم لـ لحظات استكانت فيها ملامح نجوان اكثر ، اخيرا خرج صوت هانيا:-
_مالك ؟ اية اللي واجعك خلاكي تبكي اوي كدا
تطلعت لها بعيون دامعة ، ثم همست وهي تنظف عيونها من اثر البكاء بقطعة قماش ورقية:-
_السبب ميتحكيش ياهانيا ، صعب اقدر اقوله والله ، لو كنت اقدر كنت قولت بس صعب عليا اني انطق واتكلم
اؤمات بتفهم فاكملت هي:-
_انا كنت عايزة اطلع كبتي وملقيتش حد غيرك ابكي في حضنه ، حسيتك هتستحمليني فأول ما جيتي علي بالي جريت ليكي
ابتشمت هانيا لها بحنو حقيقي ، ما تعمله ان تلك الفتاة لا ذنب لها ولا دخل لها بـ فعله ابن خالها
اكملت نجوان:-
_اتمني مكونش ضايقتك !
ربتت علي كتفها مرددة:-
_مضيقتنيش ولا حاجة .. انتي نورتيني والله
ثم نهضت وهي تصيح بحماس:-
_تعالي نجهز الغدا سوا ونتغدا مع بعض النهاردة
اؤمات بنعم ، نهضت والبسمة قد ارتسمت علي شفتيها بأشراق
بعد ليل طويل مر عليها ، كان اطول ليل يمر علي قلبها
نعم ما زال قلبها يؤلمها ، لكنها ستحاول ان تتماسك ، ان تهدأ
حتي تفكر ماذا عليها ان تفعل
هل ستصمت..؟؟! ام ستصفح عن الحقيقة التي علمتها…؟!!
****
تناول اخر رشفة من الكوب ثم منحها الكوب وهو يهتف باسما:-
_القهوة بتاعتك دي بقيت ادمان بالنسبالي ، بقيت مبحبش اشربها غير من ايدك
ابتسمت بسمة ذات معني وهي تقول بعيون وامضة بلمعة غير مفهومة له:-
_اللي مخليك مدمنها هو اللي فيها
تطلع لها بعدم فهم ، فقالت ببسمة خفيفة:-
_قصدي .. اللي مخليك مدمنها لانها من ايدي طبعا ولاني بعملها بحب
امسك يدها ووضعها بين يديه ، اقترب منها فتلاقت عيونهم و:-
_اي حاجة فيها اسم ” هانيا ” بالنسبالي هي احلي حاجة في الكون
همست بخفوت متوجع:-
_انا بحبك
_انا عرفت الحب معاكي
كم كان رده سريعا وموجعا ، معها علم الحب ، علي يدها تلقن دروسه ، بها غرق بالحب
وهي بكل جبروت ستعطيه اصعب واقوي صفعة تحت مسمي الحب ايضا…
_اسبوع واحد بس وهتنوري بيتي ، انا عايز اغمض عيوني واصحي الاقي الاسبوع خلص
قالها بحماس شديد وهو يفتح هاتفه ، فتح معرض الصور بدأ بتفريجها علي الصور مكملا:-
_دي اخر تجديدات في الشقة ، لسة باعتها ليا كرم حالا ، اية رأيك ؟
تطلعت لها ، كانت الشقة تعتبر مقتربة علي الانتهاء ما بقي اشياء بسيطة لـ الغاية ، اجابته:-
_حلـوة اوي ، متوقعتش هتكون بالجمال دا..
احتضنها بيده مقربها منه و:-
_وعد مني عش الزوجية بتاعنا هيكون دايما مليان فرحة ، وعد مني قدام ربنا كمان .. وربنا هيكون شاهد علي كلامي ، هفضل طول عمري طول ما في ايدي اسعدك هسعدك ، طول ما اقدر افرحك هعمل المستحيل علشان ادخل الفرحة علي قلبك ، هحاول اتحكم في عصبيتي علي قد ما اقدر ، مش هزعق فيكي ابدا ، وعد .. هعيشك في جنة علي الارض
ابتسمت له وداخلها قلبها يرفرف بالسعادة ، حديثه كم كان صادقا ، لدرجة انه وصل لـ مكان عميق بـ قلبها ، نظرات عيونه كانت صافية جدا ، حاولت ان تتحدث هي ايضا وتوعده بالحب والسعادة … تمنيه بهم
لكن لسانها آبي ذلك
فهو يعلم كم هي ستكون كاذبة..
****
الايام تمر علي البعض هادئة ، علي البعض الاخر سعيدة ، احدهم ينتظر الايام تفر لا تمر فقط ك سراج ، احدهم لا تريدها ان تسير ك نور الدين ، نجوان .. حالتها غير الجميع
وقعت بين اختيارين كل منهم اصعب من الاخر
تسلم سراج الذي لا ذنب له لـ الشرطة ، معذرتا هو مذنب لكنه لا يتدارك ذلك
ليس هو وفقط من ستسلمه بل معه اخيه ووالدتها ، لانهم قاموا بالمداراه علي الامر ، ام تصمت لانها لا تستطيع ان تفعل ذلك
لكن ان فعلت وصمتت .. نظرتها بعد ذلك لنفسها ستتغير
ستري انها ايضا شريكة في الجريمة ، تستحق العقاب مثلهم تماما !
ماذا تفعل بحق الله
العائلة ام العدالة !
من يستحق التضحية اكثر
بين شتات تفكيرها تلك ، كانت تمر الايام وهي لا تشعر ، لتلك اللحظة لم تصل لـ اجابة ولـ اختيار
لم تعد كذلك تخرج كثيرا ، كرهت التواجد بمكان يجمعها بـ نور الدين ووالدتها فبقيت تزورهم قليلا جدا ، عكس ما كان يحدث بالماضي وزيارتها اليومية لهم
طرق السيد محمود علي بابها ودخل بعدما سمحت له بذلك ، جلس علي مقعدا بجوار فراشها وقال بحنو:-
_نجوان !
همهمت بايجاب فـ تابع بحزن:-
_مالك ياحبيبتي متغيرة لية الايام دي !
فهو الاخر لاحظ شرودها بالايام الاخيرة ، حزنها المرتسم جيدا علي ملامحها ، كثيرا من الاشياء التي جعلته يتساءل بداخل نفسه .. ماذا اصاب ابنته الحبيبة ؟!
خرج صوتها باردا لا توجد حياة فيه:-
_مفيش يابابا انا مرهقة بس الايام دي ، شوية وهرجع كويسة ان شاء الله .. متقلقش انت بس
_يعني مفيس سر كدا ولا كدا مخبياه عليا !
قالها وهو يرمقها بنصف عين ثم تابع:-
_انا بعرفك من نظرات عيونك يانجوان ، عيونك المرة دي مهمومة وباين عليكي شايلة هم حاجة مش قادرة عليه
تجمعت الدموع بعيونها ، كادت تجيبه وتحكي له كل شئ ، لكنها صمتت باللحظة الاخيرة ، تنهدت بقوة ثم خرج صوتها مختنقا اثر حبسها لـ البكاء:-
_مفيش يابابا حاجة صدقني
تطلع لحالتها بأشفاق لم يريد ان يتعبها اكثر ، فأؤما بنعم ثم غادر الغرفة بهدوء
وانخرطت هي في بكاءا مرير بعد ذهابه
الامر في غاية الصعوبة ياالله ، الهمها الصبر والحل يالله..
****
اليوم … هو بداية حياة ونهاية اخري ، بداية سعادة وعذاب ، آلم وفرح ، جروح غائرة ، حقائق مزهلة ،
اليوم هو بداية اللعنة ..
اليوم .. هو يوم زواج سراج وهـانيـا
تلك العروس الماكرة..
. . .
وقت ما تتكشف انك مضحوك عليك من الكل … هتعمل اية ؟!
جميلة ولكن الفصول غير كاملة
كل يوم بينزل فصل جديد تابعينا